حيــــــــــاءُ النبي صلى الله عليه وسلم
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة .
فأفضلها قول لا إله إلا الله .
وأدناها إماطة الأذى عن الطريق .
والحياء شعبة من الإيمان
حياؤه صلى الله عليه وسلم
عن سالم بن عبد الله عن أبيه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مرّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(دعه فإنّ الحياء من الإيمان).
عن أنس قال:
(لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب
أهدت له أم سليم حيسا في تور من حجارة
فقال أنس
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اذهب فادع لي من لقيت من المسلمين
فدعوت له من لقيت
فجعلوا يدخلون عليه فيأكلون ويخرجون
ووضع النبي صلى الله عليه وسلم
يده على الطعام
فدعا فيه وقال فيه ما شاء الله أن يقول
ولم أدع أحدا لقيته إلا دعوته
فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا
وبقي طائفة منهم
فأطالوا عليه الحديث
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم
يستحيي منهم أن يقول لهم شيئا
فخرج وتركهم في البيت
فأنزل الله عز وجل:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ)
قال قتادة: غير متحينين طعاما،
(وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا)،
حتى بلغ: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-
قال
كان النبي صلى الله عليه وسلم
أشد حياء من العذراء في خدرها
حدثني محمد بن بشار
حدثنا يحيى وبن مهدي
قالا: حدثنا شعبة مثله
وإذا كره شيئا عرف في وجهه)
الحياء غذاء الروح و حياة القلب
كما أن الغيث
حياة الأرض و رواؤها، و بهجتها .
و على حسب حياة القلب
تكون قوّة خلق الحياء
فكلّما كان القلب أحيا كان الحياء أتم
و قلة الحياء من موت القلب و الروح
و لمّا كان الحياء بهذه المنزلة العظيمة
من حياة الإيمان في القلب،
و اقترانه به و دوامه فيه،
كان النبي صلى الله عليه وسلم
أعظم هذه الأمة حياءً،
شهد له ربه سبحانه بهذه الصفة الكريمة
في محكم تنزيله فقال :
(إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ)
[سورة الأحزاب : 53].
و من تأمّل هذه الأحاديث الثابتة
رأى كثرة حياء النبي صلى الله عليه وسلم،
و أنه كان جامعا ًبين نوعي الحياء
الغريزي و المكتسب.
ففي الغريزي
كان أشد من العذراء في خدرها
و أما المكتسب فقد كان في الذروة العليا منه.
وكلا النوعين محمود، مطلوب
و سبب لزيادة الإيمان
لأنه يكون تخلقا واكتسابا
كسائر أعمال البر
وقد يكون غريزة
ولكن استعماله على قانون الشرع
يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم
فهو من الإيمان،
ولكونه باعثاً على أفعال البر
ومانعاً من المعاصي
و ُمعِفّىً من الفواحش،
و ناهيا عن المنكرات، فلا يأتي منه إلا خير
و ترجمت لنا سيرته العطرة
حقيقة ذلك الحياء،
و تمكّنه من خلقه و سلوكه العملي
في مواقف شتى منها :
زواجه من زينب بنت جحش -رضي الله عنها-.
فقد كان صلى الله عليه وسلم
حديث عهدٍ بأهله،
و الأضياف في بيته قد حضروا وليمته
و طعموا حتى شبعوا
و ظلّوا مستأنسين بالحديث
في غفلةٍ عن حال النبي صلى الله عليه وسلم
و تكدّره من طول بقائهم،
و هو يستحي أن يواجههم
بأمر الخروج من بيته، و الانفراد بعروسه!
حمله الحياء على أن يترك
أخصّ حقوق نفسه
في ليلة البناء بأهله و الشوق إليهم
و تحمّل مشقة الحرج من أصحابه
الذين أكرمهم بضيافته
و التناول من مائدته
على أن يصارحهم بما يجول في خاطره
و ما يعتمل في نفسه
إيثاراً للحياء
و حرصاً على توفير الراحة و الانبساط لهم.
فتولّى الرحمن سبحانه أمره
و رفع عنه ما أهمّه
و أنزل قرآنا يتلى إلى يوم القيامة
يصدع بما للنبي صلى الله عليه وسلم
من الحقّ العظيم
من الاحترام و التوقير
و الآداب المتعّينة له على أصحابه و أمته.
و يدعونا في الوقت نفسه
إلى الاقتداء به و التحلي بهذا الخلق الفاضل
فمن استحيا من الله سبحانه حق الحياء
رأى نعمه و آلاءه،
و استشعر إساءته وتقصيره،
و بادر بالخيرات و ترك المنكرات،
و من استحيا من نفسه
عفّها و صانها في الخلوات،
و من استحيا من الناس
كف أذاه عنهم
و ترك المجاهرة بالقبيح و السيئات